
بقلم: هدى حجاجي أحمد- مصر
لم تكن حياتي سهلة؛ عشتُ طويلاً بلا أصدقاء، وكأنني كنت أتحرك في العالم بظلّي فقط. منذ اليوم الذي فقدتُ فيه أمي وأنا أستيقظ ليلاً مفزوعة، رغم أن الغياب شاخ وتكاثر، وما زال طازجاً كجرحٍ لا يتعلم الالتئام. أشرب القهوة كما لو كانت ماءً، لا لأصحو بل لأقاوم الانطفاء، أنام قلقة ويقيم الصداع في رأسي كفكرة سوداء ترفض الرحيل. ومع ذلك، ثمة حنان خفي يعزف لحناً متكسّراً في روحي؛ موسيقاي الذاتية أنت، وكلما نظرتُ إلى وجهك أدركتُ أنني أشبهك حدّ الفقد، وربما سيأتي يوم يبهت فيه شعوري بوجودك كما تبهت الذاكرة حين تتعب من الحنين. أخرج أحياناً للتسوق بلا رغبة، أمشي على هامش الرصيف، كأنني أخشى أن أُرى؛ هناك شجيرات دفلى بيضاء ووردية، جمالها يفضح كذب المدن، يذكّرني أن الطبيعة ما زالت قادرة على تلوين الرماد، مثل عجوز تتحدّى الزمن بأحمر الشفاه، أو منزل قديم أُعيد طلاء أبوابه بالأزرق ليخفي تعبه. أحب المشي، أمشي كثيراً، كثيراً جداً، أحب أن أضيع، أن لا أكون أحداً، أن يحوّلني الزمن إلى كينونة شفافة، أن أتناقص، أتمزق، ثم أختفي بهدوء. الليل يؤرقني، لكن من يهتم للنوم وكل ما في العالم متأهب للسقوط كي ينفجر؟ أنا في حالة انتظار دائمة؛ أنتظر النوم والصباح، الحب والحظ والمال والعمل، الفراشات والموت، الغيوم والمطر والهدوء، وأراقب الأشجار والعصافير والقمر كمن يتدرّب على الغياب. أحياناً أشعر أنني نسيت كيف أطالب بحقي من نفسي، وأن قلبي سجين فكرة النجاة فقط، ومع ذلك أؤجل الخلاص، أؤجل الصراخ، أؤجل الحريق، إلى أن يأتي يوم أفك فيه أسري، أركض نحو غابات الشمس، وأحترق… لا لأموت، بل لأتأكد أنني ما زلت قادرة على الاحتراق.
