
د. بسام الخالد
مع كل دورة انتخابية تبدأ وعود المرشحين للبرلمان وتبدأ معها عملية استعطاف الناخبين من خلال رسم صور مشرقة للوطن أشبه ما تكون بالأحلام الوردية.
في إحدى الدورات الانتخابية أعلن أحد المرشحين عن برنامجه الانتخابي لأبناء منطقته، وقد ضَمّن هذا البرنامج وعوداً عديدة يتطلب تحقيقها خمس خطط خمسية من خطط الدولة، لكنه وعد بتحقيقها خلال سنوات أربع هي مدة بقائه في البرلمان!
ولأن “جماهير” دائرته الانتخابية البسطاء وجدوا فيه شاباً نشيطاً ومتابعاً ولا يسكت عن الأخطاء، التي تقع فيها وزارات ومؤسسات الدولة، فقد التفّوا حوله ورأوا فيه صوتهم الهادر في البرلمان، زاد على ذلك تواضع صاحبنا، الذي يعيش في العاصمة، حيث أنه تنازَل وزار بلدات وقرى دائرته الانتخابية وجلس على “البسط” العتيقة في بيوت الفقراء، كما زار تنانير القرى وأكل خبزاً طازجاً وزار حقول الفلاحين وساهم معهم في جني الثمار وحصاد المحصول، وفي المساءات كان يُشارك في الأفراح ويكون الأول في حلقات الدبكة، ولم ينس “مسؤولنا المستقبلي” أن يوثّق كل نشاطاته على شريط فيديو من خلال مصوّريْن رافقاه في رحلاته!
عندما يحين موعد الخطابات الحماسية يعتلي مرشحنا منصة خشبية، أعدها أعوانه مسبقاً، ويبدأ بنثر الوعود على الجماهير: بيت لكل عروسين، وظيفة لكل عاطل، سيارة لكل مواطن، هاتف في كل بيت، مدارس في كل القرى والمزارع، جامعة في كل منطقة، سدود وجسور وطرقات ومعامل في كل بلدة ومدينة ومضافة مفتوحة لتلقي شكاوى الناس وطلباتهم على مدار اليوم طيلة وجوده في البرلمان!
وعندما حان موعد الانتخابات توافد الناس على صناديق الاقتراع لينتخبوا ابن دائرتهم “البار” وتبرع كل من لديه وسيلة نقل لجلب الناخبين من القرى البعيدة إلى مراكز الاقتراع وعملت (الطريزينات والتراكتورات وسيارات البيك آب والشاحنات) في نقل الناخبين، وفي نهاية الانتخابات نجح مرشحنا وأصبح عضواً في البرلمان!
وقبل أن يتوجه إلى البرلمان زاره وفد من وجهاء دائرته للتهنئة فاستقبلهم أمام باب منزله واعتذر عن استضافتهم داخل المنزل بحجة ارتباطه بموعدٍ مهم في العاصمة!
عاد أعضاء الوفد كسيري النفوس وشرحوا للأهالي معنى الوفاء الحقيقي الذي لا يملكه من انسلخوا عن جذورهم.. وطار صاحبنا إلى العاصمة وتمتع بميزات كان يخطط لها منذ زمن وقضى فترة نيابته كلها دون أن يزور منطقته أو ينقل معاناة ناخبيه إلى العاصمة.
ولأنه استمرأ اللعبة فقد رشح صاحبنا نفسه في الدورة المقبلة للبرلمان مجدداً.
سافر إلى منطقته وتهيأ لفتح مضافة في ساحة البلدة فخرج الأهالي في وجهه ممانعين وطلبوا منه الرحيل فالساحة ملكية عامة وليس له حق في استخدامها. وهكذا قضى صاحبنا بقية أيامه منزوياً يستجرّ ذكريات طفولته في البلدة ويحكيها لجيرانه في العاصمة.
بعد سنوات عاد “النائب السابق” إلى بلدته وعندما وصل إلى الساحة وجد فوق باب المختار لوحة كتب عليها: ” المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين”!
ترى بماذا سَيَعِدْ مرشحو البرلمان ناخبيهم في ظل الأوضاع التي نعيشها هذه الأيام.. وهل سيسهم “النواب” المقبلون في بلورة علاقة صادقة مع من يمثلونهم أم ستتبخر وعودهم وتذهب أدراج الرياح؟!
