
د. بسام الخالد
لم تكن البداية صرخة، بل همسة خافتة في أزقة المدن والقرى السورية، تسللت من بين الجدران العتيقة، تحمل في طياتها وجعاً عمره نصف قرن. كانت الكلمة الأولى أشبه بندبةٍ على وجه الزمن، لكنها سرعان ما تحولت إلى نداءٍ عارم، إلى موجةٍ لا تُرد، إلى ثورةٍ لا تعرف التراجع.
هكذا بدأت الحكاية، لا من قصرٍ ولا من منبر، بل من قلبٍ أنهكه الانتظار، ومن شعبٍ قرر أن يكتب تاريخه بيده، لا بيد جلاديه.
في فجرٍ جديد، تنفّست سوريا عبير الحرية بعد أعوامٍ من الظلم والقهر. خرجت من بين الركام، تمسح دموعها وتضمّد جراحها، كأنها طائر الفينيق ينهض من رماده، أقوى وأبهى.
لقد كانت الثورة صرخة شعبٍ أراد الحياة، فاستجابت له الإرادة.
لم تكن مجرد احتجاجات، بل كانت ملحمة كتبها الثوار بدمائهم، وسطرها التاريخ بحروفٍ من نور. في كل شارعٍ وحيّ، في كل قريةٍ ومدينة، ارتفعت الهتافات: “حرية، كرامة، عدالة”، حتى صارت هذه الكلمات نشيداً وطنياً جديداً.
واليوم، وقد انقشع ليل الاستبداد، تشرق شمس الأمل على وطنٍ يستحق الحياة.
تعود المدارس لتفتح أبوابها، وتُزرع الحقول من جديد، وتُبنى البيوت التي هدمها الطغيان ويعود اللاجئون إلى أحضان الوطن، يحملون معهم الحنين والإصرار على البناء.
سوريا الجديدة ليست مجرد حلم، بل واقع يُرسم بأيدي أبنائها.
وطنٌ يتسع للجميع، لا مكان فيه للخوف أو القمع، بل للعلم والعمل وللعدالة والمساواة وللحب الذي لا يعرف الحدود.
أيها السوري، لقد انتصرت لأنك لم تستسلم. انتصرت لأنك آمنت أن النور لا بد أن يغلب الظلام، وأن صوت الحق لا يمكن طمسه فامض في دربك، وازرع في كل زاويةٍ من وطنك بذرة أمل، لتورق حريةً وعدلاً وسلاماً.
ها أنت تعيش عيد تحريرك الأول فانسج منه ضفائر الحياة.
