الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

التعليم في سورية: جذور تاريخية وتطورات معاصرة

يُعد التعليم في سورية من أبرز المجالات التي تعكس العمق الحضاري والتاريخي للبلاد. فمنذ العصور القديمة، لعبت سورية دوراً محورياً في تشكيل المراكز الفكرية والثقافية في المنطقة، حيث احتضنت مكتبات شهيرة ومدارس فلسفية كان لها تأثير واسع في العالم القديم. وقد واصل التعليم تطوره في العصور الإسلامية، إذ أُنشئت الكتاتيب والمدارس الدينية التي عنيت بتعليم القرآن واللغة العربية والعلوم الشرعية، إلى جانب العلوم الطبيعية والرياضيات والفلك. هذا التراكم التاريخي جعل سورية منبراً للعلم والمعرفة عبر العصور.

في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومع انفتاح المنطقة على التأثيرات الأوروبية، شهدت سورية نهضة تعليمية بارزة. فقد تأسست المدارس الحديثة التي اعتمدت المناهج العلمية واللغات الأجنبية، وبدأت الجامعات الوطنية بالتشكل لتلبية حاجات المجتمع المتزايدة نحو التعليم العالي. تأسيس جامعة دمشق عام 1923 كان علامة فارقة في التاريخ التعليمي للبلاد، حيث أصبحت مركزاً للإشعاع العلمي في المنطقة العربية، وخرّجت أجيالاً من الأطباء والمهندسين والأدباء والمعلمين.

خلال العقود الأخيرة، أولت الحكومات السورية اهتماماً كبيراً بمجانية التعليم وإلزاميته في المراحل الأساسية. فقد تم توسيع شبكة المدارس لتغطي المدن والأرياف، وضمان وصول التعليم إلى مختلف الشرائح الاجتماعية. وقد أسهم ذلك في رفع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بشكل ملحوظ، حتى باتت سورية في مصاف الدول العربية ذات النسب المرتفعة في هذا المجال. كذلك، أُنشئت جامعات جديدة ومعاهد عليا لتلبية التخصصات المتنوعة، مثل الجامعات في حلب، تشرين، البعث، والفرات.

من جهة أخرى، أدت التحديات الاقتصادية والسياسية إلى ضغوط على المنظومة التعليمية، إلا أن الإصرار على استمرار العملية التعليمية ظل واضحاً. فقد واصل الطلاب دراستهم رغم الظروف الصعبة، كما واصل المعلمون دورهم الريادي في بناء الأجيال. هذا الثبات يعكس إدراكاً جمعياً لأهمية التعليم كحجر زاوية في الحفاظ على الهوية الوطنية، وإعادة بناء المجتمع.

إن تطور التعليم في سورية يعكس مسيرة طويلة من الجهد والتراكم التاريخي، وهو يشكل اليوم ركيزة أساسية لأي مشروع وطني للنهوض والتنمية. كما أن الاهتمام بالبحث العلمي والابتكار يمثل خطوة أساسية نحو استثمار رأس المال البشري، وتوظيفه لخدمة المستقبل.

المنشورات ذات الصلة