
أ. خالد الغزي
الجريمة الإرهابية التي استهدفت مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حمص، كسرت كل القيم الإنسانية وتجاوزت حدود المقدسات كونها نفذت بأيدي قتلة تجاوزوا حدود الله والشرائع والأديان.
في ظهيرة يوم الجمعة، حين كانت الأرواح تتجه إلى السماء في خشوع، دوّى انفجار غادر في مسجد الإمام علي بن أبي طالب بحي وادي الذهب في حمص، ليحوّل بيتاً من بيوت الله إلى ساحة دماء، ويحوّل صلاة الجمعة إلى مأتم جماعي.
ثمانية شهداء ارتقوا، وثمانية عشر جريحاً ما زالوا يئنّون تحت وطأة الألم، في جريمة لا يمكن وصفها إلا بأنها اعتداء على الإنسانية جمعاء.
الجريمة استهدفت دار عبادة، واستهداف دور العبادة جريمة مضاعفة، فالمساجد هي بيوت للسلام والطمأنينة، واستهداف المساجد لا يمكن تبريره بأي ذريعة. حين تتحول أماكن العبادة إلى أهداف، فإننا نكون أمام انحدار أخلاقي خطير، لا يهدد فقط أرواح الأبرياء، بل يضرب في عمق النسيج المجتمعي، ويزرع بذور الفتنة والفرقة، لكنه الإرهاب، والإرهاب لا دين له.
مهما كانت هوية الفاعلين، ومهما كانت دوافعهم، فإن هذه الجريمة تضعهم في خانة واحدة: خانة أعداء الحياة.
لا دين يبرر قتل المصلين، ولا عقيدة تسمح بتفجير المساجد، ولا قضية تُنتصر بدماء الأبرياء، ومن يرتكب مثل هذه الجرائم لا يسعى إلى حق، بل إلى الدمار.
صحيح أن مسؤولية الدولة لا تقتصر على ملاحقة الجناة، بل تمتد إلى تعزيز الأمن في دور العبادة، وتحصين المجتمع ضد خطاب الكراهية، ومحاسبة كل من يحرّض أو يبرّر أو يصمت عن هذه الجرائم، لكن للمجتمع المدني دور كبير بمؤسساته ونخبه، أن يرفع الصوت عالياً، لا مكان للإرهاب بيننا، ولا تسامح مع من يزرع الموت في قلوبنا
أن وحدة السوريين أقوى من الإرهاب، ورغم الجراح، يبقى الشعب السوري أقوى من أن تنكسر إرادته.
هذه الجريمة، مهما كانت بشاعتها، لن تنجح في تمزيق وحدة السوريين، بل ستزيدهم إصراراً على التمسك بالحياة، وعلى بناء وطن لا مكان فيه للكراهية ولا للإقصاء ولا للإرهاب، وهذا ما يجمع عليه السوريون الشرفاء في كل بقعة من سوريا الغالية.
