الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

العولمة الإعلامية بين الانفتاح ومخاطر الهيمنة في الواقع السوري

منذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ مصطلح العولمة يفرض نفسه بقوة على الساحة العالمية، ليتحول من مفهوم نظري إلى واقع يلامس تفاصيل الحياة اليومية. ومع الثورة الرقمية والانفجار الهائل في وسائل الاتصال، وُلدت العولمة الإعلامية كأحد أبرز مظاهر هذا التحول، لتفتح أبواب العالم أمام الجميع بضغطة زر، وتحوّل الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يتشارك سكانها الحدث نفسه في اللحظة ذاتها.

العولمة الإعلامية، في جوهرها، ليست مجرد تبادل للمعلومات أو تسهيل للوصول إلى الأخبار، بل هي عملية معقدة تعيد تشكيل الوعي الجمعي وتؤثر في طريقة تفكير المجتمعات. فمن جهة، وفّرت هذه العولمة فرصاً غير مسبوقة للتواصل والانفتاح، وأتاحت للأفراد في مختلف أنحاء العالم إمكانية الوصول إلى المعرفة والمشاركة في النقاشات العالمية. لقد أصبح الإنسان العادي اليوم قادراً على متابعة ما يحدث في أقصى العالم لحظة بلحظة، بل والمشاركة في صياغة الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن في المقابل، يرافق هذا الانفتاح خطر لا يقل أهمية، يتمثل في هيمنة القوى الكبرى على المشهد الإعلامي العالمي، وسعيها لفرض قيمها وثقافتها تحت شعار “حرية المعلومات”. فبدلاً من أن تكون العولمة الإعلامية أداة للتقارب والتفاهم بين الشعوب، تحولت أحياناً إلى وسيلة للتأثير والسيطرة وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالح سياسية واقتصادية محددة.

وفي الحالة السورية، أخذت العولمة الإعلامية أبعاداً أكثر تعقيداً. فقد لعب الإعلام العالمي دوراً محورياً في تشكيل صورة سورية لدى الرأي العام الدولي، بينما وجد الإعلام المحلي نفسه في مواجهة سيل من المعلومات والمضامين القادمة من الخارج، بعضها يحمل أجندات خفية أو يهدف لتشويه الواقع السوري. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الانفتاح الإعلامي أتاح أيضاً للسوريين فرصة للتعبير عن آرائهم، وكشف حقائق كانت مغيّبة، وفتح نوافذ جديدة على العالم بعد عقود من الانغلاق النسبي.

اليوم، تقف سورية أمام تحدٍّ حقيقي يتمثل في كيفية التعامل مع هذه العولمة الإعلامية، بحيث تستفيد من مزاياها دون أن تفقد هويتها الثقافية والوطنية. المطلوب ليس الانغلاق، بل بناء إعلام وطني حديث يمتلك أدوات المنافسة في الساحة الرقمية، ويعتمد على المصداقية والشفافية في طرحه، ويحافظ في الوقت ذاته على خصوصية المجتمع السوري وقيمه.

فالعولمة الإعلامية ليست قدراً مفروضاً، بل فرصة يمكن تحويلها إلى قوة إيجابية إذا امتلكنا الوعي الكافي لإدارتها. إنها ساحة مفتوحة، ومن يملك القدرة على توجيه الكلمة يملك التأثير، وربما المستقبل أيضاً.

المنشورات ذات الصلة