الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

محطات مهجورة

كانت المحطة صامتة كقلبٍ تَعِب من الانتظار.

المقاعد المعدنية باردة، والهواء يمرّ عبرها كما لو أنه يتفقد من تبقّى من الذاكرة.

على الجدار البعيد ساعةٌ متوقفة، عقربها يشير إلى زمنٍ لم يعد يعني أحداً.

جلست «ليلى» هناك، حقيبتها الصغيرة إلى جوارها، وملامحها تشبه مَن ودّع ولم يُستقبل.

تتأمل السكة الحديدية الممتدة في البعيد، كخطٍّ واحدٍ بين ما كان وما لن يكون.

مرت سنوات منذ أن أُغلق هذا المكان، لكنها كانت تعود إليه كل مرة، كمن يزور قبراً يحمل اسمه ولا يجد جسده فيه.

كانت هذه المحطة شاهدةً على أحلامها القديمة،

على أول وعدٍ لم يُنفَّذ، وأول قطارٍ لم تعد تسمع صفيره إلا في ذاكرتها.

في هذا المكان، كانت تنتظر «عمر» كل مساء.

كانا يخططان للسفر معاً إلى مدينةٍ لا تعرفهما،

لكن القطار الذي وعدها به، جاء مرةً واحدة… وأخذَه وحده.

منذ ذلك اليوم، صار الزمن يمرّ فوقها ببطء،

والعالم يركض بعيداً عنها.

كل شيء تغيّر إلا هذا المكان — كأنه تعاهد مع الحنين على البقاء كما هو.

في كل زيارة، تمسح الغبار عن اللوحة التي كُتب عليها اسم المحطة،

كأنها تمسح الغبار عن وجهٍ قديم.

تجلس في نفس المقعد، تضع حقيبتها كما كانت تفعل في المرة الأولى،

وتهمس: «ربما تأخّر القطار… فحسب.»

تضحك من نفسها ثم تبكي،

وتغلق عينيها لتسمع في داخلها صفير القطار الذي لم يأتِ أبداً.

الريح تمرّ كأنها تُصفّر بدلاً عنه،

والمحطة تظل مهجورة… إلا من ظلّ امرأةٍ تنتظر الماضي في وجه الريح.

في المساء، حين تغادر، تنظر إلى الخلف دائماً،

ففي كل مرة، تشعر أن القطار سيفاجئها أخيراً،

لكن ما يأتي دائماً هو الصمت- صمتٌ يملأ المكان كما لو كان وعداً مؤجّلاً منذ زمن بعيد.

المنشورات ذات الصلة