
المحامي محمد الخالد
باحث متخصص في القانون الخاص
النظام التشريعي لمنصات العمل الرقمية والحماية القانونية للعمال في ظل غياب التنظيم التشريعي في قانون العمل السوري
يشكل العمل عبر المنصات الرقمية (Platform Work) أحد أبرز مظاهر التحول في سوق العمل العالمي، حيث يقوم الأفراد بتقديم خدمات أو تنفيذ مهام من خلال وسائط إلكترونية تربطهم مباشرة بالمستهلكين. وتُعدّ شركات مثل Uber وTalabat وFreelancer أمثلة بارزة على هذا النوع من العمل، الذي يتميز بالمرونة والاعتماد على التكنولوجيا بدلاً من العلاقة التعاقدية التقليدية بين العامل وصاحب العمل.
في سوريا، لا يزال قانون العمل رقم 17 لعام 2010 محكوماً بمفاهيم كلاسيكية تفترض وجود علاقة تبعية واضحة بين العامل ورب العمل، وهو ما لا ينطبق على نموذج المنصات الرقمية. فالعامل عبر التطبيق لا يُعتبر موظفاً، بل “شريكاً مستقلاً” وفق شروط المنصة، مما يحرمه من الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون للعاملين بأجر، مثل التأمين الاجتماعي، والحد الأدنى للأجور، وتعويضات الفصل التعسفي. هذه الفجوة التشريعية تضع العامل في موقع هش، وتمنح المنصة سلطة شبه مطلقة في تحديد شروط العمل وإنهائه.
في المقابل، بدأت بعض الدول العربية بمعالجة هذه الإشكالية. ففي المملكة الأردنية الهاشمية مثلاً، أصدرت الحكومة عام 2021 تعليمات لتنظيم عمل شركات النقل عبر التطبيقات الذكية، نصّت على ضرورة ترخيص هذه الشركات، وتحديد التزاماتها تجاه العاملين، بما في ذلك التأمين ضد الحوادث أثناء العمل، وضمان حدٍّ أدنى من الدخل. كما تعمل وزارة العمل الأردنية حالياً على دراسة إمكانية شمول العاملين عبر المنصات بمظلة الضمان الاجتماعي تدريجياً.
إن التجربة الأردنية تُظهر إمكانية إيجاد حلول تشريعية وسطى تحقق توازناً بين متطلبات الاقتصاد الرقمي وحماية العمال. ومن هنا، تبرز الحاجة الماسّة إلى تعديل قانون العمل السوري أو إصدار قانون خاص بتنظيم العمل عبر المنصات الرقمية، يتضمن تعريفاً واضحاً للعامل والمنصة، ويحدد حقوق الطرفين وواجباتهما، مع إنشاء نظام تأمين اجتماعي مرن يناسب طبيعة هذا العمل.
ختاماً، إن غياب الإطار القانوني في سوريا يهدد بمفاقمة أشكال العمل غير المنظم، ويضعف العدالة الاجتماعية. لذلك، يجب على المشرّع السوري التحرك بسرعة لوضع منظومة تشريعية حديثة تواكب التحولات الرقمية وتحمي العامل دون أن تعيق الابتكار الاقتصادي، بحيث يصبح العمل الرقمي مصدراً مشروعاً وآمناً للدخل في الاقتصاد السوري الحديث.
mohamadalkhaled963@gmail.com
