
الصدى- أندريه ديب
في عالم سريع الوتيرة، حيث تتسارع الأيام وتزدحم حياة كل شخص بالهموم والمشاغل، تصبح قيمة اللطف شيئًا نادرًا، ولكنها أيضًا أكثر ما نحتاجه في هذا الزمان. اليوم العالمي للطف، الذي يُحتفل به في 13 نوفمبر من كل عام، هو دعوة إنسانية لنتوقف لحظة ونسترجع معنى الرحمة والود. هو فرصة لنحتفل بالأفعال الصغيرة التي تصنع فارقًا كبيرًا في حياة الآخرين، سواء بابتسامة صادقة، أو كلمة دعم، أو يد امتدت لتساعد.
تاريخ اليوم العالمي للطف
تأسس اليوم العالمي للطف في عام 1998 بمبادرة من التحالف الدولي للطف (International Kindness Movement)، وهي منظمة تهدف إلى نشر اللطف في المجتمعات. بدأت الاحتفالات به في عدة دول كمحاولة لبث الطاقة الإيجابية في حياة الأفراد، وتذكيرهم بأهمية تصرفات بسيطة لكنها ذات تأثير كبير مثل مساعدة الآخرين، والإصغاء لهم، وتقديم الدعم العاطفي.

يقول أخصائي العلاج النفسي الدكتور عبد الفتاح الحميدي: اللطف فعل بسيط يصنع فرقاً كبيراً حيث يُذكّرنا هذا اليوم بأن الأفعال الصغيرة يمكن أن تترك أثرًا نفسيًا عميقًا وابتسامة صادقة قد تُعيد الأمل لقلبٍ متعب، ويدٌ امتدت لتُعين قد تُغيّر مجرى حياة بأكملها.
إن اللطف ليس مجرّد تصرّفٍ عابر، بل هو طاقة داخلية تنبع من القلب وتنعكس على المحيطين بنا فتخفّف من توترهم، وتزرع فيهم الطمأنينة، وتعيدهم إلى مساحة آمنة من الإنسانية.

وعن “نظرة علم النفس للطف وتأثيره على الدماغ” تتحدث البروفيسور في علم النفس من جامعة أوهايو ستيت الأميركية ريم شطيح بأن للطف تأثير نفسي عميق، فهو لا يقتصر على تعزيز الروابط الاجتماعية الإيجابية فحسب، بل يُحفّز أيضاً تغييرات ملموسة في الدماغ. فالانخراط في أعمال اللطف يُحفّز إفراز مواد كيميائية عصبية مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين والدوبامين، وهي مواد أساسية لمشاعر السعادة والترابط والمكافأة.
وأظهرت الدراسات أنه عندما يُشارك الأفراد في أعمال اللطف، مثل مساعدة الآخرين أو التعبير عن التعاطف، تنشط مراكز المكافأة في الدماغ، وخاصةً المخطط البطني ventral striatum. يُولّد هذا التنشيط شعوراً بالنشوة عند تقديم المساعدة، مما يُعزّز السلوك الإيثاري ويُحسّن الرفاه العام.
وتقول الدكتورة في كلية التربية جامعة حمص يمام الطيار: في هذا اليوم نجد أنفسنا مدعوين لتذكر أن اللطف ليس فقط تصرفًا، بل هو شعور ينبض في القلب، وهو شعور يمكنه أن ينير عتمة يوم صعب، ويخفف من ثقل الأحمال على كاهل الآخرين. إننا جميعًا بحاجة لهذا الضوء، لأن اللطف يربطنا ببعضنا البعض، يعيد لنا الأمل في الإنسانية، ويساعدنا على بناء عالم يكون فيه كل شخص محل تقدير ورعاية.
أهمية اليوم العالمي للطف:
يُعد اليوم العالمي للطف فرصة مهمة لتسليط الضوء على الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع عندما يتم التعامل مع الآخرين بلطف.
وتتعدد الأسباب التي تجعل هذا اليوم ذا أهمية بارزة:
مثل: تعزيز الصحة النفسية والتقليل من التوتر والعنف وتعزيز الروابط المجتمعية وتعزيز القيم الإنسانية في الأجيال القادمة.
*تشير الدراسات إلى أن ممارسة اللطف يمكن أن تحسن بشكل كبير الصحة النفسية لكل من الشخص الذي يقدم اللطف والشخص الذي يتلقاه. تُظهر الأبحاث أن الأفعال اللطيفة تؤدي إلى تحفيز إفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين، ما يُحسن المزاج ويقلل من مستويات القلق والاكتئاب.
خاتمة
في عالم مملوء بالضغوط اليومية، يظل اليوم العالمي للطف بمثابة تذكير لنا جميعًا بأن اللطف ليس مجرد سلوك عابر، بل هو أسلوب حياة يمكن أن يغير المجتمع بشكل جذري.
إن تبني قيم اللطف ليس فقط يسهم في تحسين العلاقات الإنسانية، بل أيضًا يساعد في خلق بيئة صحية وسعيدة لجميع الأفراد.
دعونا نحتفل في هذا اليوم بتجديد عزمنا على ممارسة اللطف مع أنفسنا ومع الآخرين، ليس فقط في 13 نوفمبر، بل في كل يوم. لأن كل فعل لطيف، مهما كان صغيرًا، يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا. فلنجعل من اللطف أسلوب حياة لا مناسبة موسمية ولنؤمن أن كل لمسة حنان، وكل كلمة طيبة، هي بذرة ضوء تُنبت إنسانية في أرضٍ عطشى. فكن اللطيف الذي يترك أثراً لا يُنسى.
المراجع:
1. مؤسسة اللطف العالمية (The Random Acts of Kindness Foundation): R.A.K. Foundation
2. الأبحاث حول اللطف وتأثيره على الصحة النفسية: Psychology Today – Kindness
