الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية وأثره بتعزيز الرفاه الإنساني

يُعدّ اليوم العالمي للصحة النفسية مناسبة سنوية تهدف إلى رفع الوعي العالمي بأهمية الصحة النفسية، وتعزيز الفهم المجتمعي للقضايا المرتبطة بها، بما يسهم في بناء مجتمعات أكثر توازناً وتماسكاً.

وشعار هذا العام 2025 تحت مسمى “الوصول إلى خدمات الصحة النفسية في الكوارث والطوارئ” يؤكد أن الحصول على الدعم النفسي حق لكل فرد على هذا الكوكب.

تُعتبر الصحة النفسية جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة، فهي تمثل حالة من التوازن العاطفي والاجتماعي والمعرفي التي تمكّن الفرد من التكيف الإيجابي مع متطلبات الحياة اليومية. وقد خصصت منظمة الصحة العالمية يوماً عالمياً للصحة النفسية يُحتفل به سنوياً في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، بهدف تسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية كأولوية إنسانية واجتماعية.

تأتي أهمية هذا اليوم من كونه مناسبة عالمية لتكثيف الجهود التوعوية، وتحفيز الحوار بين المؤسسات الصحية والتعليمية والمجتمعية حول سبل الوقاية والدعم والعلاج النفسي.

يؤكد برنامج الصحة العالمية أن التعافي النفسي ليس غياباً تاماً للألم أو الصعوبات، بل هو رحلة مستمرة نحو استعادة التوازن الداخلي والقدرة على التكيف مع تحديات الحياة.. إنه مسار يتطلّب الصبر، والإيمان بالذات، والاعتراف بأن لكل إنسان وتيرته الخاصة في الشفاء والنهوض من جديد. فليس التعافي حدثاً لحظياً، بل هو عملية تتكوّن من خطوات صغيرة، متواصلة ومليئة بالأمل.

يبدأ التعافي حين يمنح الإنسان نفسه الإذن للشعور، للبوح، وللتعبير عن ضعفه دون خوف أو خجل. فعندما نُدرك أن الضعف لا يتعارض مع القوة، بل هو وجهٌ آخر للإنسانية، نصبح أكثر قرباً من السلام الداخلي. كما أن الدعم الاجتماعي والعلاقات الإيجابية تلعب دوراً محورياً في هذه العملية، إذ لا يمكن للإنسان أن يتعافى بمعزلٍ عن محيطٍ آمن ومتفهّم.

تم إطلاق اليوم العالمي للصحة النفسية عام 1992 بمبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وبدعم من منظمة الصحة العالمية. كانت الانطلاقة الأولى موجهة لنشر الوعي العام بقضايا الصحة النفسية، ثم تطورت الأهداف لتشمل تحسين السياسات الصحية النفسية، وتعزيز خدمات الرعاية النفسية على مستوى العالم.

وقد خصصت المنظمة لكل عام شعاراً محدداً يعكس أبرز القضايا الراهنة، مثل: “الصحة النفسية في عالم غير متكافئ” (2021)، و*”الصحة النفسية حق من حقوق الإنسان”* (2023).

يحمل هذا اليوم أبعاداً اجتماعية متعددة تسهم في دعم الصحة النفسية الجماعية، من أبرزها:

 كسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية حيث يساعد الاحتفال في تقليل الصور النمطية السلبية عن المرضى النفسيين، مما يشجع الأفراد على طلب الدعم والعلاج دون خوف من التمييز.

كما يعزز الروابط المجتمعية والتضامن الإنساني فإن الأنشطة التي تُقام بهذه المناسبة تشجع على بناء بيئة داعمة قائمة على التفهم والتعاون والتعاطف.

ويتيح اليوم العالمي فرصاً للتوعية بحقوق الفئات الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية، مثل الأطفال وكبار السن واللاجئين، وتمكينهم من الوصول إلى الخدمات الملائمة.

ويسهم في رفع الوعي بمفهوم الوقاية من الاضطرابات النفسية عبر تبني أساليب حياة صحية وداعمة للتوازن النفسي.

يتيح هذا اليوم للحكومات ومنظمات المجتمع المدني فرصة مراجعة سياساتها وخططها الوطنية في مجال الصحة النفسية، وتعزيز التمويل والدعم للبرامج النفسية المجتمعية. كما يشجع على التعاون الدولي في مجال تبادل الخبرات والأبحاث المتعلقة بالصحة النفسية العامة.

إن الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية يشكل ركيزة أساسية في بناء مجتمعات أكثر وعياً وتفهماً لاحتياجات الإنسان النفسية. فهو ليس مجرد حدث رمزي، بل أداة استراتيجية لتعزيز التضامن الإنساني، ومواجهة التمييز، وتطوير استجابات مجتمعية شاملة لقضايا الصحة النفسية.

ومن هنا، فإن الاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار في رفاه الإنسان واستقرار المجتمع.

 يبقى الأمل هو البوصلة التي تقود رحلة التعافي النفسي. الأمل بأن الغد يحمل فرصة جديدة للشفاء، وبأننا جميعاً نستحق حياة يسودها السلام، والكرامة، والطمأنينة.

1. تعزيز تمويل خدمات الصحة النفسية وتوفير الكوادر المتخصصة وتدريب العاملين الصحيين.

2. دمج الصحة النفسية في جميع السياسات العامة، خاصة في التعليم والعمل والرعاية الأولية.

3. مكافحة الوصمة الاجتماعية من خلال حملات توعية وطنية مستمرة.

4. تطوير البحوث ونظم البيانات لقياس العبء الحقيقي للأمراض النفسية وتوجيه السياسات.

5. التركيز على الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال والمراهقين والنساء والمجتمعات المتأثرة بالنزاعات.

المراجع

1. منظمة الصحة العالمية. (2023). اليوم العالمي للصحة النفسية: الصحة النفسية حق من حقوق الإنسان. جنيف: منظمة الصحة العالمية.

2. الاتحاد العالمي للصحة النفسية. (2022). تقرير اليوم العالمي للصحة النفسية. لندن.

3- أخصائي العلاج النفسي رئيس مجلس إدارة جمعية دوبامين للتنمية الدكتور عبد الفتاح الحميدي “سورية”.

4. عبد الرحمن، س. (2021). الصحة النفسية في ضوء التحولات الاجتماعية المعاصرة. القاهرة: دار الفكر العربي.

المنشورات ذات الصلة