
المحامي محمد الخالد
باحث متخصص في القانون الخاص
يقوم هرم ماسلو للحاجات على فكرة محورية مفادها أن الإنسان لا يستطيع الانتقال إلى مستويات عليا من الاستقرار والإنجاز إلا بعد تلبية حاجاته الأساسية. ويبدأ هذا الهرم بالحاجات الفيزيولوجية، وفي مقدمتها الغذاء والمسكن والرعاية الصحية، ثم تأتي حاجات الأمن والأمان، يليها الانتماء الاجتماعي، فالاحترام، وصولًا إلى تحقيق الذات. وتكمن أهمية هذا النموذج في تأكيده على مبدأ الأولوية وتسلسل الحاجات، إذ لا يمكن بناء القمة دون تثبيت القاعدة.
ورغم أن هرم ماسلو نشأ كنظرية نفسية تُعنى بسلوك الفرد، فإن إسقاطه على السياسات العامة للدول يُعد مقاربة تحليلية مشروعة في العلوم الاجتماعية والقانونية، خاصة عند دراسة العلاقة بين الدولة ومواطنيها من زاوية الحقوق الأساسية والالتزامات القانونية الواقعة على عاتق السلطة العامة. فالحاجات الأساسية، عند النظر إليها من منظور القانون الخاص، لا تُعد مجرد مطالب اجتماعية أو ظروف معيشية، بل ترقى إلى مستوى الحقوق القانونية الأصيلة، مثل الحق في السكن، والحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الأمن الشخصي، وهي حقوق كرّستها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتشكل في كثير من النظم القانونية جزءًا من النظام العام الاجتماعي الذي لا يجوز المساس به أو تعطيله.
وفي هذا الإطار، تبرز إشكالية ترتيب الأولويات في السياسات العامة، إذ إن أي سياسة تتجه نحو تلبية حاجات رمزية أو عليا قبل ضمان الحاجات الأساسية، تُعرّض مبدأ العدالة الاجتماعية للاختلال، وتؤثر سلبًا في الثقة القانونية بين المواطن والدولة. وهذه الثقة تمثل ركيزة أساسية لاستقرار العلاقات القانونية والاقتصادية، ولا سيما في المجتمعات الخارجة من نزاعات طويلة أو أزمات مركّبة.
وعند إسقاط هذا التحليل على الواقع السوري، لا يمكن إنكار الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية في تنفيذ مشاريع جديدة في مجالات المعابر، والدوارات، وتطوير بعض البنى التحتية، وهي مشاريع تُسهم في إعادة تنظيم الفضاء العام، وتمنح شعورًا بالفرح والفخر، وتساعد في تشكيل هوية عمرانية ومؤسساتية جديدة للبلد. غير أن مقاربة هذه الجهود من منظور هرم ماسلو، وبإسقاط قانوني، تفرض إعادة النظر في ترتيب الأولويات.
فما زال عدد كبير من المواطنين يعيشون في الخيام أو في حالات نزوح وتهجير، محرومين من حقهم الطبيعي في العودة إلى مساكنهم الأصلية أو الحصول على سكن بديل كريم. وهنا لا يعود الحديث عن السكن مسألة إنسانية فحسب، بل عن حق مدني له أبعاد قانونية واضحة، تتصل بالالتزام الإيجابي للدولة في حماية الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. كما أن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك الفواتير الأساسية، يمس بشكل مباشر الحق في مستوى معيشي لائق، وهو حق يرتبط جوهريًا بمفهوم التوازن في العلاقات الاقتصادية، الذي يُعد من المبادئ الراسخة في القانون الخاص.
أما مسألة الأمن والأمان، فهي تمثل حجر الأساس في هرم ماسلو وفي البناء القانوني للدولة على حد سواء، إذ لا يمكن الحديث عن استثمار، أو إعادة إعمار، أو استقرار تعاقدي، في ظل غياب الشعور بالأمان القانوني والشخصي. فالأمن ليس مجرد وظيفة سيادية، بل شرط سابق لفاعلية القواعد القانونية ذاتها.
