الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

حين تسقط الأقنعة

ها هي خيوط الفساد تتكشف، وها هي الفضائح تتساقط تباعاً كأوراق الخريف، لتُسقط معها رؤوساً طالما أرهبت الناس بأسمائها، وأوهمت الجميع بأنها حامية الحمى وسدنة الوطنية.

 أسماء كانت تتصدر المشهد، تحاضر في الشرف والكرامة، وتُنصّب نفسها وصية على الوطن، فإذا بها اليوم تتدحرج كالرؤوس المقطوعة، بلا مجد ولا شرف.

معظم هؤلاء الذين سقطوا كانوا يتصدرون الشاشات، يرفعون شعارات الوطنية صباح مساء، يملؤون المنابر ضجيجاً، ويُغرقون وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بخطبهم الرنانة. بعضهم كان نائباً في البرلمان وبعضهم الآخر خبيراً أو محللًا أو مسؤولاً في الدولة، لكن القاسم المشترك بينهم جميعاً أنهم كانوا يبدلون أقنعتهم مع كل مرحلة، ويتقنون فن التلون بحسب اتجاه الريح.

اليوم، نشهد نسخة جديدة من الفساد، أكثر وقاحة ودهاء.

فساد مغلف بخطابات أخلاقية، وشعارات وطنية، وأصوات عالية تتحدث عن التضحية والكرامة، بينما أصحابها ينهشون جسد الوطن بلا رحمة.

تمامًا كما تتحدث عاهرة عن الفضيلة، ولص عن الأمانة، وفاسد عن الأخلاق، ومنافق عن الوطنية، وجبان عن الشجاعة!

في هذا السياق، أستحضر مشهداً مقتبساً من مسلسل “رأفت الهجان” للكاتب صالح مرسي، حين كان رأفت يراقب مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية المحيطة به، من ضباط وتجار وسياسيي ليبدأ بتجنيده، الكل كان يطبل ويزمر للحكومة والجيش، باستثناء امرأة واحدة هي: “سيرينا أهاروني”، التي كانت تنتقد الحكومة، وتدافع أحياناً عن العرب، وتهاجم ممارسات الجيش الإسرائيلي.

 ظن رأفت أن هذه المرأة ستكون أول من تختاره المخابرات المصرية للتجنيد، لكنها لم تكن كذلك.. كان الجواب صادماً: “هي آخر من نفكر في تجنيده، لأنها الأكثر إخلاصاً لوطنها المزعوم”.

الدرس هنا عميق: ليس كل من يرفع صوته بالمديح ويدّعي الولاء هو وطني، وليس كل من ينتقد هو خائن. بل كثيراً ما يكون النقد الصادق هو أسمى أشكال الوطنية، بينما التصفيق الأجوف هو الوجه الآخر للخيانة.

ما أصعب الطعنات حين تأتي من أولئك الذين ظنناهم مؤتمنين على الوطن، فإذا بهم يغرسون سكاكينهم في خاصرته، لا لشيء سوى لإشباع جشعهم، وتضخيم أرصدتهم، وتوسيع كروشهم العفنة.

لقد آن الأوان أن نعيد تعريف الوطنية، لا بالصراخ والولاء الأجوف، بل بالصدق، والنزاهة، والقدرة على قول الحقيقة، حتى وإن كانت موجعة.

المنشورات ذات الصلة

اترك تعليق