الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

حين تُغتصَبُ المرأةُ الحرة… يموت الضمير وتُدفن النخوة

في السودان، حيث كانت الأرض تنبت القمح والأنبياء، صار اليوم يُزرع فيها الخوف.

تعلو أصوات الرصاص على صوت الحق، وتغيب العدالة كما تغيب الشمس في آخر أيام الخريف.

ومن بين رماد الحرب، ترتفع صرخات النساء- لا يسمعها أحد، ولا يُنصِت إليها ضمير.

حين تُغتصَبُ امرأةٌ حُرّة، لا يُنتهَك جسدها فحسب، بل يُغتصَبُ وجهُ الإنسانية ذاته.

ما يحدث في السودان من فظائع واعتداءات على النساء ليس حادثاً عابراً، بل جرحٌ مفتوح في ضمير الأمة.

تُروى الأرض هناك بدموع النساء، وبدماء الطفلات اللاتي لم يعرفن بعد معنى الخطيئة.

والعالمُ — بكل مؤسساته وصوته الصاخب عن العدالة- يصمت، وكأنّ الصمتَ صار ميثاقاً جديداً للعهر الإنساني.

تحوّلت المرأة السودانية، في بعض المناطق المنكوبة، إلى سلاحٍ يُستعمَل لإذلال العدو، وكأن الجسد صار ميداناً للمعارك.

تُقيَّدُ النساء، تُقتَحَمُ البيوت، ويُغتال الحياء على مرأى من العالم.

الاغتصاب هناك ليس جريمة فردية، بل خطة ممنهجة لكسر الروح السودانية، وتفكيك نسيجٍ طالما تماسك رغم الألم والجوع.

ما أبشع أن يُغتصَب الجسد، ثم يُغتصَب الصمتُ فوقه!

تتحدث التقارير الدولية عن آلاف النساء والفتيات اللواتي تعرّضن للعنف الجنسي في مناطق النزاع،

لكنّ الأرقام لا تصرخ كما تصرخ الضمائر الحية.

حين يسكت أبناء الأمة والعالم، يُغتال الضمير مرتين: مرةً بالفعل، ومرةً بالتواطؤ.

ومع ذلك، تبقى المرأة السودانية منارةً في هذا الليل الطويل.

تحمل أطفالها، وتُخفي دموعها عنهم، وتواجه الغد بوجهٍ متماسكٍ رغم التصدّع.

تُخبئ تحت ثوبها الممزق بذور الأمل، وتُعيد بناء بيتها كلما هدمه الحقد.

هي لا تكتب الشعر، لكنها تكتبه بدمها على جدار الحياة.

يا أبناء الأمة، يا أصحاب الضمائر الحيّة:

حين تُغتصَبُ امرأةٌ حرة ويسكتُ العالم، فإنّ التاريخ يكتب فصلاً من الخزي باسمنا جميعاً.

ليس المطلوب أن نبكي، بل أن نتحرّك- بالكلمة، بالوعي، بالموقف، بالدعم الإنساني،

حتى لا تموت الحقيقة كما ماتت النخوة في مقابر الذلّ.

السودان اليوم لا يبكي من الجوع وحده، بل من انكسار الروح.

وما لم نستفق من صمتنا، سيكبر الوجع حتى يعمّنا جميعاً.

حين تُغتصَبُ المرأةُ الحرة، يُغتصَب معها الوطن بأكمله،

وحين نصمت، نكون شركاء في الجريمة.

المنشورات ذات الصلة

اترك تعليق