الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

رجال خلّدهم التاريخ

هل سمعت عن رئيسٍ باع السلطة ليشتري كرامة الأمة؟

في زمنٍ كان الحاكم يتمسك بالكُرسي كما يتمسك الغريق بخشبة نجاة …

وفي عالمٍ كانت الكراسي تُعبد، والمناصب تُشترى بالدم والدموع…

خرج رجلٌ من بين الأنقاض، ليقول كلمةً غيّرت مسار التاريخ:

“الوحدة أهم من الرئاسة… فلتتحد سوريا ومصر، ولو لم أكن أنا الرئيس!”

 إنه شكري القوتلي – الرجل الذي لم يحكم ليُخلَّد، بل ليُوَحِّد

رئيسٌ عاش شريفاً، وسُجن من أجل وطنه، ووقف في وجه الاستعمار دون أن يلين

عام 1943 أصبح أول رئيسٍ لسوريا بعد الاستقلال

رفع راية العروبة عالية، ونادى بفلسطين يوم كان الصمت مهيمناً،

فكان صوته صادقاً… لا يُشترى ولا يُسكت

ثم جاءت سنة 1958 لتكتب ملحمة نادرة:

حين عُرض عليه الاتحاد مع مصر، لم يسأل عن مناصب أو امتيازات،

بل قالها بقلبٍ مفعمٍ بالإخلاص:

“أنا لا أتنازل… أنا أُقدّم نفسي فداءً لحلم الوحدة.”

وهكذا وُلدت الجمهورية العربية المتحدة

بشعبين امتزجا في حلمٍ واحد، وعلَمٍ واحد، ونشيدٍ واحد،

من القاهرة إلى دمشق… من النيل إلى بردى

لكن كما هي سنة الحياة… الأحلام الكبيرة تصطدم بالواقع

قراراتٌ متسرّعة، وخطواتٌ خاطئة، جعلت الوحدة تهتزّ…

حتى جاء عام 1961 لينهي الحلم الجميل، وتعود الحدود من جديد

بعد الانفصال، خرج شكري القوتلي صامتاً…

لكن عبد الناصر استقبله قائلاً:

 “أنت في وطنك يا شكري بك.”

عاش في القاهرة مكرّماً، شامخاً، زاره عبد الناصر بنفسه مراراً،

حتى جاء يوم 30 يونيو 1967، وسقطت الجولان…

فانكسر قلب الرجل الذي حمل همّ الأمة، وأسلم الروح

حين أرادوا دفنه خارج سوريا، قال الملك فيصل بن عبد العزيز:

“لا يُدفن رجلٌ مثله إلا في تراب وطنه.”

وعاد الجثمان إلى دمشق، ملفوفاً بعلم بلاده

والناس تهتف من القلوب:

“الله يرحم شكري بك… الله يرحم سوريا”

رحل كما عاش… بكبرياء، ونقاء، ووفاء.

لم يكن معصوماً، لكنه كان صادقاً في حُب وطنه

وعندما بلّغوا جمال عبد الناصر الخبر، قال والدمعة في عينه:

“لقد فقدتُ أخاً وصديقاً… وفقدت الأمة أحد رجالها المخلصين.”

في زمنٍ يتصارع فيه الناس على الكراسي،

تذكّروا أن العظمة ليست في من يبقى، بل في من يترك لأجل الوطن

البطولة ليست سلطة… بل تضحية،

والوطن لا يُخلّده من يملك، بل من يُعطي دون مقابل.

المنشورات ذات الصلة