الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

الضعف في عضلة القلب يؤدي إلى تدهور في الذاكرة

لم يعد الخرف في الشيخوخة مجرّد نتيجة لتقدّم العمر، بل تشير دراسات حديثة إلى وجود علاقة مباشرة بين ضعف عضلة القلب وتراجع القدرات العقلية. فالقلب لا يمدّ الجسم بالدم فحسب، بل يزوّد الدماغ بما يحتاجه من الأكسجين والعناصر الغذائية التي تحافظ على خلاياه نشطة وسليمة. وعندما تضعف عضلة القلب، يتأثر الدماغ مباشرة، فتتراجع كفاءته تدريجياً، مما يمهّد لظهور أعراض الخرف أو الزهايمر.

يعتمد الدماغ على تدفق دم ثابت وغني بالأكسجين ليستمر في أداء وظائفه بدقة. لكن في حالات ضعف عضلة القلب، تقلّ قدرة القلب على ضخ الدم بفعالية، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الأكسجين المغذي لخلايا الدماغ. ومع مرور الوقت، تتأثر المناطق المسؤولة عن الذاكرة والتركيز واتخاذ القرار، وتبدأ أعراض الخرف في الظهور تدريجياً.

تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من قصور في القلب أكثر عرضة للإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 50بالمئة مقارنة بالأشخاص الأصحاء في نفس الفئة العمرية. ويُفسَّر ذلك بأن نقص تدفق الدم يسبب تلفاً بطيئاً في الأوعية الدقيقة داخل الدماغ، ما يؤدي إلى تراجع القدرة الإدراكية وضعف الذاكرة والانتباه.

هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في زيادة احتمالية الإصابة بالخرف لدى من يعانون من ضعف عضلة القلب. ارتفاع ضغط الدم المزمن يأتي في مقدمتها، إذ يرهق القلب ويؤدي مع الوقت إلى تصلّب الشرايين التي تغذي الدماغ. كما أن السكري وارتفاع الكوليسترول والسمنة والتدخين كلها عوامل تؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية الدقيقة، ما يقلل من تدفق الدم إلى الدماغ.

إضافةً إلى ذلك، قلة النشاط البدني ونمط الحياة الخامل يضاعفان من خطر الإصابة، لأن الحركة المنتظمة تعزّز الدورة الدموية وتدعم قوة عضلة القلب. ولا يقل النظام الغذائي أهمية عن غيره؛ فالإفراط في تناول الدهون المشبعة والأطعمة المصنعة يضعف الأوعية الدموية، بينما يساهم النظام الغذائي المتوازن الغني بالخضار والفواكه والأسماك الدهنية في حماية القلب والدماغ معا.

هذا وتشير الإحصاءات إلى أن كبار السن فوق سن الخامسة والستين هم الفئة الأكثر عرضة للخرف، خصوصا أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل قصور القلب أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم. كما أن النساء بعد انقطاع الطمث يُعتبرن أكثر عرضة مقارنة بالرجال، نتيجة انخفاض مستوى هرمون الإستروجين الذي كان له سابقاً دور وقائي في صحة الأوعية الدموية.

ولا تقتصر العوامل على الجانب الجسدي فحسب، إذ تلعب العزلة الاجتماعية والاكتئاب والتوتر المزمن دورا مهما في تسريع تدهور القدرات العقلية. فالدماغ يحتاج إلى التحفيز الاجتماعي والنفسي للحفاظ على نشاطه، تماماً كما تحتاج العضلات إلى التمرين المستمر.

رغم أن بعض العوامل، مثل التقدم في العمر، لا يمكن تجنّبها، إلا أن الوقاية من الخرف تبدأ من العناية بصحة القلب. فممارسة النشاط البدني المنتظم، وتناول غذاء متوازن قليل الدهون والسكريات، والابتعاد عن التدخين، والتحكم في ضغط الدم ومستوى الكوليسترول، كلها خطوات فعالة لحماية عضلة القلب وبالتالي الحفاظ على سلامة الدماغ.

كما أن الفحص الدوري للقلب والدماغ بعد سن الخمسين يساعد في الكشف المبكر عن أي تراجع في الأداء الوظيفي، مما يمنح الأطباء فرصة للتدخل قبل أن يتطور الأمر إلى خرف متقدم.

وعليه، إنّ العلاقة بين القلب والدماغ أعمق مما نتصوّر؛ فالقلب النابض بقوة يعني دماغاً يقظاً وذاكرة حية. أن ضعف عضلة القلب لا يرهق الجسد فحسب، بل يسلب الإنسان قدرته على التذكّر والتفكير والإدراك. لذلك، فإن العناية بالقلب منذ الشباب هي استثمار طويل الأمد في صفاء الذهن وسلامة الذاكرة في الشيخوخة. فصحة القلب ليست مجرد مؤشر جسدي، بل هي بوابة للحفاظ على هوية الإنسان وذاكرته.

المنشورات ذات الصلة

اترك تعليق