الصدى.. نافذة سورية إلى العالم

“البيضة” وأعداء النجاح!

الإبداع ملكة وهبها الله لبعض البشر، وليس كلهم، وبواسطة هذه الملكة تجسدت عبقريتهم، فمنهم اكتشف قوانين الطبيعة ومنهم اكتشف المجرات وآخرون اكتشفوا الآلات، وعدد كبير من هؤلاء العباقرة اخترع وابتكر وطور في شتى أنواع العلوم، فكانت الكهرباء والهاتف والسيارات والقطارات والبارود والنظريات العلمية في الفلسفة والطب والرياضيات والجاذبية والنسبية إلى ما هنالك من اكتشاف أخرى لا تعدّ ولا تحصى.

هؤلاء المبدعون والعباقرة، لم تمر اكتشافاتهم ونظرياتهم مرور الكرام، فقد لاقوا، من النقد والتجريح والتشكيك، الكثير إلى أن أثبتت اكتشافاتهم واختراعاتهم ونظرياتهم جدواها على أرض الواقع وبات العالم يدين لهم بما قدموه للبشرية، وقد جاء هذا النقد، للأسف، من زملائهم المقربين الذين يعملون في المجالات نفسها والذين كل همهم وضع العصي في العجلات لتبرير فشلهم بالتوصل إلى ومضة العبقرية وفكرة الإبداع.

في جلسة جمعتني مع بعض أدعياء الثقافة ممن يحملون مؤهلات علمية عليا حصلوا عليها بالمواظبة وحفظ الكتب المقررة وتقديم الامتحان سعياً وراء النجاح، لكن أياً منهم لم يطور بحثاً أو يكتشف نظرية أو يقوم بتجربة علمية.

كان محور النقاش في هذه الجلسة يدور حول طبيب سوري اكتشف علاجاً جديداً لمرض مستعصٍ في الولايات المتحدة الأمريكية وسُجل هذا الاكتشاف باسمه منذ عدة سنوات، وعند مناقشة أهمية هذا الاكتشاف حاول البعض التقليل من قيمته وادعى البعض الآخر أنهم كانوا يفكرون باكتشاف مماثل لو أتيحت لهم الفرصة (بالطبع كانت الفرصة أمامهم متاحة من خلال سنوات الدراسة الطويلة التي أمضوها في جامعات العالم).. وهكذا بدأ نتف ريش هذا الطبيب الذي اعترفت باكتشافه كبريات الجامعات والمؤسسات العلمية الأمريكية، ولم يكن أمامها إلا تكريمه على هذا الإنجاز الطبي الذي هو تكريم لبلده سورية.

بعد جولة (النميمة الحاسدة) هذه، قلت للحاضرين سأروي لكم قصة قد تكون معروفة للكثيرين، لكنها تحمل عبرة تنهي نقاشكم هذا.

تحولت الأنظار نحوي فجأة بينما أخذتُ أروي القصة التالية:  عندما عاد كريستوفر كولومبس من رحلة اكتشافه لأمريكا، محمّلاً بالخيرات والأموال والطموحات، استقبلته الملكة ايزابيلا استقبالاً يليق بالفاتحين، فيما عيون أعداء النجاح والمزاودين تتقادح شرراً وحسداً وغيرة وأخذوا يسلكون شتى السبل للتقليل من شأن الاكتشاف الجديد، بل ويفترضون سهولته وبساطته ويصغّرون من شأن صاحبه، وادعى الجميع أن أيا منهم لو أبحر غرباً في الأطلسي فإنه بالتأكيد كان سيكتشف هذه الأرض البكر التي اكتشفها كولومبس دون كبير مشقة وعناء، بل أن أحدهم تبجح قائلاً إنه لو أطلق سفينة شراعية بلا ربان، فحتماً كانت ستصل إلى ما وصل إليه كولومبوس.

صمت كريستوفر كولومبوس حتى انتهوا من حديثهم جميعاً وفهم ما يجول في نفوسهم ثم استأذن الملكة أن يمتحن الحاضرين بعمل بسيط، خلال المأدبة التي أقامها الملك لتكريمه، فسمحت له بذلك، فما كان من كولومبوس إلا أن تناول بيضة مسلوقة من سلة البيض وقشرها وقال: من منكم يستطيع أن يوقف هذه البيضة فوق طاولة الطعام الملساء بشكل عمودي على رأسها؟! وأضاف بمكر وثقة: إنه بالتأكيد عمل أسهل بكثير من اكتشاف قارة جديدة بحجم أمريكا..!

تقدم أحد المتسرعين وأخذ البيضة معتقداً أن الأمر أسهل من شرب كأس ماء، وما إن حاول إيقافها عمودياً حتى تدحرجت منزلقة فوقع  في إحراج كبير، ثم انبرى آخر وفعل كسابقه، ثم آخر.. حتى عجز الجميع ولزموا الصمت الخجول  ولم يقدر أحد منهم على تثبيت البيضة على رأسها، عندها طلبت الملكة من كولومبوس أن يفعل ذلك.

تناول كولومبوس البيضة من السلة وأمسك سكيناً واقتطع جزءاً صغيراً من رأس البيضة ثم أوقفها بسهولة، عندها وقف كولومبوس وقال: كلكم كان بإمكانكم أن يوقف البيضة عمودياً، لو واتته الفكرة، لكن لم يفكر أحد بقص طرف البيضة، ولكنكم دائماً تنظرون إلى الأعمال العظيمة بعيون ضيقة، فكيف كان بإمكانكم اكتشاف قارة؟!

بعد رواية هذه القصة امتعض الحاضرون بعد أن أدركوا الهدف من سردها، وقبل أن يسترسلوا قلت: المغزى واضح.. في حياتنا اليومية نقابل كل يوم أناساً يقزّمون أعمال الآخرين ويحجمونها وينظرون إليها حسداً وغيرة.. إنهم أعداء النجاح الذين كشفتهم “البيضة”.. وما أكثرهم في حياتنا!

المنشورات ذات الصلة