تُعد التنمية المستدامة من أكثر المفاهيم تداولًا في الأدبيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المعاصرة. وقد ارتبط ظهور هذا المفهوم بالحاجة الملحة لإيجاد نموذج تنموي يوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وضرورة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، مع ضمان العدالة الاجتماعية للأجيال الحالية والمستقبلية.
الجذور التاريخية للتنمية المستدامة تعود إلى النقاشات البيئية التي تصاعدت في ستينيات القرن العشرين، حين بدأت الأوساط العلمية تدق ناقوس الخطر حول استنزاف الموارد وتلوث البيئة. لكن اللحظة الفاصلة كانت عام 1987، حين صدر تقرير “مستقبلنا المشترك” عن لجنة برونتلاند التابعة للأمم المتحدة، والذي عرّف التنمية المستدامة بأنها “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”.
منذ ذلك الحين، أصبح هذا التعريف مرجعية أساسية، وجرى تبنّي سياسات واستراتيجيات على المستوى الدولي والوطني لدعم تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وقد تعزز هذا الاتجاه مع إطلاق “أهداف التنمية المستدامة 2030” التي تبنتها الأمم المتحدة عام 2015، والمكوّنة من 17 هدفًا تشمل مكافحة الفقر، تحقيق المساواة، تعزيز التعليم والصحة، حماية البيئة، وتطوير الشراكات العالمية.
أهمية هذا المفهوم تكمن في كونه ليس مجرد شعار، بل إطار عملي يرسم سياسات الدول، ويوجه أنشطة المنظمات الدولية، ويحفز المجتمعات على تبني ممارسات مستدامة في حياتهم اليومية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبرى تعترض تطبيقه، مثل تفاوت مستويات التنمية بين الدول، وتعارض المصالح الاقتصادية مع متطلبات الحفاظ على البيئة.
في الختام، يمكن القول إن التنمية المستدامة تمثل استجابة فكرية وعملية للتحديات العالمية المعاصرة. فهي تسعى لإيجاد توازن دقيق بين تلبية احتياجات الإنسان وبين الحفاظ على مقومات الحياة، وهو ما يجعلها أحد أعمدة النقاش التنموي والسياسي في القرن الحادي والعشرين.
عرض: هنادي شيخو
